خاص التحري نيوز

رمال متحركة … د . خالد جمال 

 

العمل في السياسة اللبنانية، أشبه بالغوص بالرمال المتحركة، إن لم تكن متسلحاُ بالأوتاد اللازمه, لتربطك بالأرض الصلبة فانها حتماً ستسحبك الى القاع.
أتى رفيق الحريري الى لبنان متسلحاً بالمال و الكاريزما و الدعم الإقليمي و العلاقات الدولية.نجحت أوتاده في إبقاءه على سطح الأرض ، رغم أنه غاص بالرمال المتحركة للسياسة اللبنانية و العربية.
كان يحمل مشروعا كبيراً يعبر عن حاجات العرب في تلك اللحظة التاريخية . كان عليه أن يمثل الإعتدال الإسلامي ،في مواجهة التطرف المتفلت في العالمين العربيّ و الاسلاميّ . كان عليه أن يواجه التطرف السني الإسلامي ، و التطرف الشيعي الإسلامي ، و التطرف الإسرائيلي اليهودي ، ثم إنضم إليهم التطرف المسيحي اللبناني. حمّلوه العرب كل همومهم ومشاكلهم ، و زودوه بكل ما يلزم من الأوتدة، ثم قالوا له إذهب و جرب أن تفعل شيئاً .
كانت اللحظة مؤاتية بعد حرب الخليج الثانية و تحرير الكويت ، كانت أمريكا تسيطر على العالم بشكل كامل ، و كانت تخطط لإنجاز المهمة المستحيلة ، ألا و هي السلام بين العرب و إسرائيل ، ولقد نجح جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا آنذك ، بجمع وزراء الخارجية العرب بما فيهم وزير خارجية سوريا فاروق الشرع ،على طاولة واحدة مع اسحاق شامير ، وكان على رفيق الحريري بما يمثل و من يمثل ، أن يقطف اللحظة و يقدم الأمان لبلاده و الآمال لشبابها بدل أن ينجرفوا وراء الإرهاب.
حاول الجميع بما فيهم المقربين ان يغرقوه في الرمال المتحركة، ولكن الأوتده كانت قوية و تربطه بتماسك مع الأرض الصلبة . جمع من حوله نخبة المفكرين اللبنانين من ليبراليين وديموقراطيين و قوميين عرب قدامى و يساريين قدامى و فنانين و مهندسين وأطباء و حوّل البلد الى ورشة عمل دائم في الإنسان و في الحجارة.
إلى أن تغيرت الظروف الدولية و الإقليمية ودارت معركة تثبيت حكم بشار الأسد على سوريا ،وبدأ التغلغل الإيراني في المشرق العربي.ثم كانت الحادثة الكبرى في الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ ، التى أدت إلى تغير وجه الكون و تغير دول و إسقاط أنظمة . و عرف رفيق الحريري حجم الأزمة الكبرى في العالم ،و حاول تحييد لبنان قدر المستطاع ،و إعادة السيادة إليه عبر القرارات الدولية، ومنها القرار ١٥٥٩ ،والذى إتهمه السوري مباشرةً بأنه كان المسؤول على الوقوف خلفه ،و تم تهديده بالقتل ،و تم نصحه بالرحيل، لكنه ضحك ضحكته الأخيرة من على منابر البرلمان ،و مضى إلى حتفه قلقاً على مستقبل هذا البلد .
دفع بدمائه ثمن سيادة لبنان و استقلاله ،ولم يعرف التاريخ شبيهاً لما جرى بعد إستشهاده ، دفع اللبنانيين الى التوحد خلف شهادته و الإصرار على السيادة اللبنانية، مما حمل القوى الدولية و على رأسها أمريكا الى إجبار القوات السورية على الخروج من الأراضي اللبنانية دون قيد أو شرط و في مهلة لا تتعدى اليومين.
لم يستطيعوا أن يغرقوه و يسحبوه في رمالهم المتحركة ، فقرروا نسفه ، ومنذ ذلك الحين يشهد العالم العربي النسف و القتل و الحروب .

زر الذهاب إلى الأعلى