سياسة

ماذا وراء عودة هوكشتاين؟

قد تعني عودة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى المنطقة الكثير بالنسبة إلى بعض المتفائلين، وقد لا تعني شيئًا كثيرًا بالنسبة إلى آخرين يُعتبرون من بين المصنّفين في خانة الواقعيين، أو بالحد الأدنى يتشبهون بتوما الرسول، الذي لم يؤمن بقيامة السيد المسيح قبل أن يلمس لمس اليد الجروحات في اليدين والجنب.

فعودة المبعوث الأميركي تلحظ هذه المرّة زيارة لبنان على عكس المرّة السابقة. إلاّ أن هذه الزيارة لا تعني بالضرورة أنه يحمل معه ما يمكن أن يطمئن، كما أنه لا يحمل ايضًا ما يدعو إلى اليأس والإحباط، إذ أن الأمور مرهونة بنتائج ما قد تسفر عنه المفاوضات الفاصلة لإرساء هدنة رمضانية في قطاع غزة لا بدّ من أن تنعكس إيجابًا على الواقع الجنوبي المتوتر.

في آخر زيارة له للمنطقة لم يعرّج هوكشتاين على لبنان كما كان يفعل في كل مرّة كان يكّلف بها بمهمة ديبلوماسية محدّدة من قِبل الإدارة الأميركية. ولم يكن السبب كما حاول البعض تفسيره ربما عن سوء نية، ولكنه لم يكن يريد أن يزيد على “طين الأزمة اللبنانية بّلة جديدة”، وذلك نظرًا إلى أن ما سمعه من المسؤولين الإسرائيليين لم يكن مشجعًا كثيرًا، وهم الذين أرفقوا زيارته بـ “راجمات” من التهديدات باجتياح لبنان عبر بوابته الجنوبية إذا لم يسحب “حزب الله” عناصره، وبالأخص فرقة” الرضوان”، من المواقع المتقدمة على طول “الخط الأزرق” من الناقورة حتى كفرشوبا، أي على جبهة تمتد لأكثر من مئة كيلومتر، إلى شمال الليطاني.

وقد لمس هوكشتاين وقتها أن لا همّ لدى القيادة الإسرائيلية سوى تأمين الحدّ الأدنى من الاستقرار لمستوطناتها الشمالية، وهذا لا يتحقّق إلا إذا انسحب “حزب الله” إلى العمق الجنوبي. وهذا ما لا يقدم عليه “الحزب” لا اليوم ولا غدًا ولا بعده. وهذا ما يعرفه جيدًا المبعوث الأميركي، الذي فضّل عدم نقل مثل هذه الأجواء التي سمعها في تل أبيب إلى بيروت، لأن اللبنانيين لديهم مشاكل غير محصورة بناحية واحدة، بل هي متشعبة تبدأ بالأزمة الرئاسية ولا تنتهي عند حدود الأزمتين الاقتصادية والمالية، بل تصل في تداعياتها إلى أزمة النزوح السوري الكافية وحدها بإشعال أكثر من جبهة اجتماعية وديموغرافية.

وبالتوازي فإن رئيس الحكومة واصل طوال الايام الماضية اجراء الاتصالات واللقاءات الديبلوماسية لشرح الموقف اللبناني ومطالبة الدول الصديقة بالضغط لمنع التعديات الاسرائيلية وامتداد النيران الى الداخل اللبناني، وهو قال في هذا المجال: “صحيح أن الحرب لا تزال محصورة في قطاع غزة، ولكن ما يحصل في الجنوب وسقوط الشهداء يوما بعد يوم يجب التوقف عنده. من هنا كانت مطالبتنا الدائمة للدول الشقيقة والصديقة بأن تقوم بالضغط اللازم لوقف الاستفزازات والتعديات الاسرائيلية على لبنان. اضاف: “نحن مستمرون في اتصالاتنا بشكل مكثف، وتلقيت في الساعات الماضية بعض الاجواء الديبلوماسية التي ابدت تفهما للمخاوف اللبنانية ووعدا باستمرار السعي لوقف الاعتداءات الإسرائيلية”.
وفي تصريح له لوكالة “رويترز” أمل ميقاتي في أن تسفر المفاوضات الجارية على أكثر من خطّ لإرساء هدنة رمضانية في غزة، لا بدّ من أن يكون لها الصدى الإيجابي على المشهدية الجنوبية في ضوء ما يبديه “حزب الله” من تجاوب مع كل مسعى من شأنه تخفيف الضغط عن أهل غزة.

إلا أنه ما تجدر الإشارة إليه هو أن هذه العودة تتزامن مع ما يبديه بعض المسؤولين الأميركيين من أن تلجأ إسرائيل إلى توجيه ضربة للبنان في الوقت الغزاوي الضائع. وهذا ما يجب التوقف عنده طويلًا ومليًا قبل الغوص في تحليلات غير واقعية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى