خاص التحري نيوز

مقهى “البنكي” … د . خالد جمال !!!


تجلس امام المقهى، ترتشف قهوتك، وتمضغ دخانك، وبدون ارادة منك تراقب العابرين، وتدرك ان لكل منهم قصة. تعرفهم بما يلبسون، وبما ينتعلون، وبما يتمنطقون، تعرفهم بسحنتهم، بعضها حزين، وبعضها مبتسم، وبعضها هائم بلا هدى. تعرفهم بما يحملون ، حقائب مدارس، واكياس عمل، وشنط مكتبية، وجعب طعام ، وهواتف في اليد، واخرى قرب الاذن، وثالثة لتسجيل الرسائل. وتدرك ان لكل منهم قصة مختلفة.
تجلس امام المقهى، تحتسي مشروبك الساخن، وتحرص ان يكون نقيع الشاي خفيفًا، لأن حدته تثير اعصاب المعدة. وتراقب القادمين من القرى في الميكرو باص الذي يعج بهم ، او بالتاكسي الذي ينفث دخان المازوت وكأنه وابور قطار ، قادم من القرن التاسع عشر ، فيملأ المكان برائحة تستهوى من يعاني من فقر الدم ، وينفر منها المصابون بالربو والحساسية. يأتي القادمون من القرى وخاصة عكار ، فيترجل بعضهم ويبقى آخرون، يمضون الى مدن الساحل الأخرى وخاصة بيروت، وبين طرابلس وبيروت يتوزع ركاب عكار وقصصهم المختلفة. لكن ما يميز العديد من الركاب هو البذلة العسكرية،  والحقائب العسكرية على الاكتاف، لجنود في عمر الورود يحاولون الالتحاق بمراكز خدمتهم على الوقت، وتدرك ان قصص هؤلاء الشباب متشابهة وان كانت مختلفة. واحلامهم لا تتجاوز هم العيش والضمان الصحي، وزوجة وغرفة معيشة ان سمحت الظروف.
تجلس امام المقهى، تتجاذب اطراف الحديث مع الشباب، ويفيض عليك الكلام من كل جهة واتجاه، الصحافيون الذين يملكون اسرار المدينة، والمحامون الذين اعطوا مواعيد في المقهى لبعض الزبائن والاطباء يشربون القهوة قبل التسرب الى العيادات والأساتذة في فترات الراحة، والمتقاعدون وهم اغلب الزبائن، اتوا لقضاء بقية أعمارهم مع اصحابهم الذين تجاوزهم الموت وسمحت لهم الحياة بذلك، وتدرك ان لكل منهم قصة .
تجلس امام المقهى، بعد ان تقرأ النعوات المعلقة على الحيطان قربها، أو على زجاجها الأمامي، وتتحزر عن بعض الأسماء، أصدقاء او أقرباء او ادأولاد القرية او البلد. وتعلم ان لكل منهم قصة.
تجلس امام المقهى، ويمر بك الباعة الجوالة، اشهرهم بائعو الكعك الساخن، الذي يستهويك احياناً فتمضغه بعد ان تغمسه بالسماق. او باعة الخضار والفواكه الذين يقصدون ركن المقهى لعلمهم بوجود زبائن كثر لا يريدون ان يمضوا الى الاسواق. بعض الباعة يحملون ما تيسر من المعدات الصغيرة او الكلسات او القداحات او الاقلام او مقلمات الاظافر. وتعلم ان لكل منهم قصص مختلفة.
تتمنى لو تعلم بعض قصصهم ، ولكنها في علم الغيب وهي مختلفة، والاختلاف رحمة الا ان المصيبة عامة.

زر الذهاب إلى الأعلى