خاص التحري نيوز

الدولة العميقة … د خالد جمال

هذا المقال محاولة لفهم معنى هذ المصطلح ، الذي كثيرا ما يتردد حين التطرق الى الازمات التي تواجه الدول ، وخاصة تلك التي تخضع لخطر التعديل والتغيير ،كلما واجهت تحديات سياسية او امنية او حتى اقتصادية.
وقبل ان نبداء بالتعريف والمصطلحات ،سنحاول ان نضع زمانا محددا لبدء فهم هذه التحولات ،مشيرين الى ان هذا المقال لن يتطرق الا باستثناءات قليلة الى دول اوروربا الغربية واليابان واميركا الشمالية ،لان هذه الدول قد تجاوزت منذ زمن مفهوم الدولة العميقة، وانتقلت الى طور اخر من التقدم والحداثة ،مرتبط ارتباطا جذريا بالتقدم الانساني ،والتقدم العلمي والتقني ، رغم بعض الاحداث ذات الطابع الانفصالي ،في المملكة المتحدة واسبانيا وفرنسا وغيرها ،والذي يعتبر بقايا صراعات قديمة لا تؤثر على تطور الدول ،بقدر خدمتها لمفهوم المواطنة ولقيم الحريات المحكومة بالقانون.
اما فيما خص بقية الدول ،فنستطيع ان نبدأ مع انطلاق القرن العشرين ،وتحديدا اكثر مع الحرب العالمية الأولى ، والتي كان من نتائجها زوال الامبراطويات الكبيرة ، ومنها الامبراطورية الروسية ، والنمساوية ،والالمانية ، والعثمانية وهي اكثر ما يهمنا لارتباطها بالمنطقة التي تعاني الولايات والمصائب ، بسبب عدم قدرتها على صياغة مشروع الدولة فيها.
وهكذا نشير الى ان منطقة المشرق العربي ، او لنقل الدول التي تنضوي فيها تحت جامعة الدول العربية ،لا يوجد سوى دولة عميقة واحة ،وهي الجمهورية العربية المصرية ، ولا يعود ذلك الى زمن الفراعنة كما يزعم البعض ،بل يعود الى محمد علي باشا الذي بنى المؤسسات المصرية ،واهمها الجيش وتحرر من سطوة الخلافة العثمانية ، ولم تغير ثورة او انقلاب الضباط الاحرار من طبيعة هذه الدولة ،ولم تؤثر التغييرات اللاحقة على ثبات اجهزتها بمختلف تكويناتها . اما باقي الدول العربية فهي تتعرض للتغيير الشامل بمجرد حدوث تغيير في طبيعة السلطة السياسية المشرفة عليها ، ولنا في سوريا والعراق وليبيا والسودان ،امثلة على ذلك.
في المحيط القريب فهناك تركيا ،التي استطاع كمال اتاتورك ان يؤسس فيها دولة عميقة ،منذ بداية القرن الماضي ،ورغم مرروها بصعاب وتغييرات سياسية كبيرة ،الا انها لم تتغير ، حتى ان الاحزاب الاسلامية ومنها العدالة والتنمية ،قد استحوذوا على السلطة مرات عدة دون ان يزيلوا صورة اتاتورك ،التي تزين دوائر الدولة كانعكاس لحقيقة استمرار الدولة العميقة في نهجها.وهو ما لم يمكن ان تجده في ايران ،المثال المنافس المضاد لتركيا في التاريخ ، فما ان استلم الاسلاميون السلطة في ايران حتى غيروا معالم الدولة بالكامل، دون ان ينجحوا في بناء الدولة العميقة ،وعلى الرغم من مشروعهم الطموح الناجح اقليميا الى الان ،الا ان مصير الدولة وشكلها ،مطروح على البحث كلما واجهت تحديات.
في الختام نقول هذا غيض من فيض وهو امر مفتوح للنقاش ،وان وافقتموني ،فان الدولة العميقة ،هي الدولة التي لا تتغير بطبيعتها ومؤسساتها واجهزتها ،عند تغير او تبدل قيادتها او نظامها السياسي.

زر الذهاب إلى الأعلى