الدولة ترضخ للمدارس الخاصة … وهذا ما يتهدد التعليم في لبنان … جويل خالد طبو …
طبو: الحائزة على ماجستير إدارة مؤسسات تربوية،
و أخصائية في علم القيادة من جامعة هارفرد
في السنوات الأخيرة، شهدت المدارس اللبنانية تحولات جذرية في طبيعتها ووظيفتها، حيث أصبحت المؤسسات التعليمية أقرب ما تكون إلى مشاريع تجارية بامتياز، تبحث عن الربح على حساب الجودة التعليمية والمصلحة العامة.
الأقساط المدرسية: عبء يثقل كاهل الأسر اللبنانية
إن الارتفاع الجنوني في الأقساط المدرسية بات حديث الساعة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها لبنان. الأسر اللبنانية، التي تعاني من تدني القدرة الشرائية وتآكل الرواتب بفعل التضخم وانهيار العملة المحلية، تجد نفسها أمام خيارين أحلاهما مر: إما دفع الأقساط الباهظة والضرائب الخفية التي تفرضها المدارس أو البحث عن بدائل أقل جودة.
إن ما يزيد الطين بلة هو عدم وجود أي مبررات مقنعة لرفع الأقساط إلى هذا الحد. ورغم هذا، نجد أن رواتب المعلمين لا تزال متدنية مقارنة بالأرباح التي تجنيها المدارس من هذه الأقساط. فالمدرس، الذي يعتبر حجر الزاوية في العملية التعليمية، يجد نفسه يعاني من عدم القدرة على تأمين احتياجاته الأساسية، مما ينعكس سلباً على أداءه التعليمي وعلى جودة التعليم التي يتلقاها الطلاب.
القرطاسية والمستلزمات: ميزانية إضافية مرهقة
ليست الأقساط المدرسية وحدها التي تثقل كاهل الأسر اللبنانية. فالتكاليف الأخرى المرتبطة بالتعليم، مثل القرطاسية، والمواصلات، والثياب المدرسية، والمصروف اليومي، والرحلات المدرسية، تضيف عبئاً إضافياً على الأسر. هذه التكاليف التي تبدو بسيطة للبعض، قد تشكل فارقاً كبيراً لعائلات تكدح لتأمين لقمة العيش. والأسوأ من ذلك، أن الكثير من المدارس تطلب من الطلاب شراء مستلزمات دراسية من مصادر محددة، ما يفتح الباب أمام المزيد من الربح التجاري.
المناهج والإهمال التربوي: الطالب ضحية
في ظل هذه التحديات المالية، يُطرح سؤال جوهري: هل يحصل الطلاب على تعليم جيد يستحق هذه التكاليف الباهظة؟ للأسف، الجواب غالباً ما يكون بالنفي. العديد من المدارس الخاصة في لبنان، رغم أقساطها المرتفعة، تعاني من تدهور واضح في جودة التعليم. المناهج قديمة وغير محدثة، والأنشطة التربوية محدودة أو معدومة، والأساليب التعليمية تقليدية وغير محفزة.
إن الإهمال التربوي الذي يعاني منه الطلاب ليس إلا نتاجاً لسياسات تجارية بحتة تتبعها المدارس، حيث يتم التركيز على تحقيق الربح على حساب الاستثمار في تحديث المناهج وتطوير المهارات التربوية للمعلمين.
الخلاصة: التعليم في لبنان بحاجة إلى إصلاح جذري
إن ما يحدث في لبنان ليس مجرد مشكلة في رفع الأقساط المدرسية، بل هو أزمة شاملة تهدد مستقبل الأجيال القادمة. إن تحويل المدارس إلى مشاريع تجارية يُفرغ العملية التعليمية من مضمونها، ويجعل من الصعب تحقيق أهداف التعليم الحقيقية التي تتعلق ببناء جيل واعٍ ومثقف.
على الدولة اللبنانية، ومؤسسات المجتمع المدني، والأهالي، أن يقفوا صفاً واحداً للمطالبة بإصلاح النظام التعليمي، والضغط على المدارس للعودة إلى دورها الأساسي كمؤسسات تربوية تُعنى بتعليم الأجيال لا بتكديس الأرباح. إن الإصلاح الجذري في التعليم يبدأ من وضع سياسات تحد من ارتفاع الأقساط غير المبررة، وتضمن رواتب عادلة للمعلمين، وتعمل على تحديث المناهج وتطوير البنية التحتية التعليمية.
إن مستقبل لبنان يعتمد على جودة التعليم الذي نقدمه لأبنائنا اليوم، ويجب أن نتخذ جميعاً خطوات جريئة لضمان أن تكون المدارس في لبنان مكاناً للتعليم والتربية، وليس مجرد مشاريع تجارية.