عن رياض سلامة: من يبكي أخيراً يبكي طويلاً … علي العزير …
أخيراً بكى رياض سلامة بعدما كان يظن أن دوره في هذه الحياة يقتصر على دفع الآخرين إلى البكاء فقط.
كثيرون الذين اكتووا بنار المرابي المحترف، خبير التداول في البورصات العالمية. أناس لم يكن لهم أن يعرفوه عن كثب لكنهم لمسوا آثار سطوته المذهلة على مدخراتهم وودائعهم المصرفية. كان الرجل يجد متعة عصية على التفسير في اذلال الناس ممن لم يتسببوا له بأي أذى. نكل بهم بطريقة غير مبررة. لعل أقسى كلامه كان ما قاله رداً على سؤال لأحد الصحافيين الذي ذكره بنكبة مباغتة حلت بأصحاب الودائع المصرفية، وحولتهم من قوم مستورين بفعل الجهد المضني الذي بذلوه طيلة عقود من أعمارهم في المنافي والصحارى والغابات، إلى محتاجين يحصلون القوت بشق الأنفس: “لا بأس غداً يعتادون الأمر”.
لاعب كرة الطاولة لم يكن يتعب من تسديد الرميات الموفقة التي تربك المنافسين، كثيرون منهم لم تكن لديهم الرغبة في منافسته لكنه فرض عليهم الأمر مدفوعاً بالرغبة في اللعب ليس إلا. هو لم يبد إستعداداً لوضع سقف لطموحاته، ولا لعدد المليارات المتراكمة في حساباته المصرفية، ولا لحجم العقارات التي يرغب في تسجيلها في الملاذات الضريبية بأسماء وهمية تعود له في النهاية.
اقتاد السياسيين من أعناقهم بحبال الجشع التي تستعصي عليها قلة من النفوس البشرية. ثم أشعل سيجاره الفخم وجلس في مقعده الوثير يسخر من محاولاتهم الساذجة لحمايته بحثاً عن حماية لأنفسهم. لم يخف ضيقه من بعض القضاة أصحاب الرواتب المحدودة، بينما هم يحاولون النيل من هيبته بأساليبهم القانونية المتهالكة. لم يكن يرى في الصخب الكثير المثار حوله أكثر من مجرد إزعاج مسيء لا يستحق الإصغاء من رجل له قدراته الخارقة.
إشترى الإعلاميين بمبالغ تافهة قياساً إلى الثروات الهائلة التي حققها طيلة عقود من ممارسة لعبة أتقنها حتى الإحتراف. وكان يتسلى بإجراء المسابقات بينهم ليصنف مقالاتهم الصحافية وإطلالاتهم التفلزيونية ويمنحهم العلامات والجوائز تبعاً لبراعة أدائهم، دافعاً بهم إلى التنافس للحصول على المراتب المتقدمة في مباريات التزلف والكذب.
لم تكن النساء بعيدات عن هوايات الرجل الثري. أقام لهن ما يشبه الحرملك المعاصر حيث الجواري يتسابقن على إرضاء السلطان. كان يكفي أن تترافق الممثلة المغمورة ستيفاني صليبا مع الحاكم في رحلة جوية حتى يقرر الدون الجوان بسنواته المحاذية للسبعين أن يضم الفتاة الجميلة إلى قائمة محظياته. هكا نزلت الممثلة الهامشية من الطائرة مختلفة تماماً عن تلك التي كانتها عندما صعدت إليها قبل ساعات قليلة. رحلتها التالية كانت في طائرة خاصة. ابتسمت الحياة فجأة لستيفاني لكنها كانت، على ما يبدو، ابتسامة خاطفة.
قبل صليبا كانت ماريان الحويك محط اهتمام الإمبراطور المالي. اكتشفها فجأة في أحد الأروقة الخلفية لمبنى المصرف المركزي، كانت موظفة مبتدئة في مقتبل العقد الثاني من العمر، لاحظ أنها تمتلك من المفاتن ما لم تضمه مخادع المتعة خاصته. كانت تكفي ورقة مختومة بختم الحاكم ومذيلة بتوقعيه الأسطوري حتى تتحول الموظفة المبتدئة إلى رئيسة للقسم التنفيذي لتدير موظفين تتخطى سنوات عمل بعضهم ضعفي عمرها. سرعان ما كان على ماريان أن تتدبر طرقاً لتسجيل ممتلكاتها العقارية في الدوائر الفرنسية المختصة.
ثمة أيضاً آنا كوزيكوفا، الأوكرانية الفاتنة التي تميزت عن سائر محظيات الحاكم بخصوبة بيولوجية مميزة ساعدتها على إنجاب بنتاً منه. كما استفادت من براعتها المهنية في امتلاك مجموعة عقارية يعتد بها.
على المقلب الآخر من سيرة الحاكم النسائية تقف نساء أقل جاذبية من غانياته الحزينات واقل رغبة منهن في إرضائه. المدعية العامة غادة عون بامكاناتها الجمالية المتواضعة أقضت مضجع رياض سلامة زمناً باستجوابات ومذكرات جلب وأوامر تفتيش. كذلك فعلت رئيسة هيئة القضايا هيلانة اسكندر، وهي على مشارف التقاعد، حيث أصرت على مطالبة الحاكم بما اعتبرتها حقوقاً للدولة اللبنانية التي تمثلها في ذمته. ومن فرنسا جاءت القاضية أود بوريزي وقد استهلك تجهمها القانوني كل ما يسع الدفق الأنثوي أن يضخه في ملامح إمرأة. قبل هؤلاء النسوة، وبعدهن أيضاً، هناك ندى زوجة سلامة، وأم ابنه ندي وبناته الثلاث، المرأة التي كان عليها أن تحتمل نزوات زوجها طيلة عقود مكتفية بأن ترسل له الرسائل العاتبة دون جدوى. كما شأن الحرملك دائماً ثمة نساء تنحصر مهامهن في إقلاق راحة السلطان.
الحاكم المطاع الرغبات اقتصرت أمانيه أخيراً على أن يغادر مكتب النائب العام التمييزي جمال الحجار، بعد إصداره مذكرة توقيف بحقه، معفياً من تكبيل يديه، لكنه لم يحظ بفرصة تحقيق تلك الرغبة. أمكنه فقط أن يغطي يديه المكبلتين بسترته الباريسية الفاخرة. عندما أغلق عليه باب سيارة التوقيف بكى سلامة، ربما لأول مرة في حياته الراشدة. دائماً هناك مرة أولى.