خاص التحري نيوز

مولانا ” … د . خالد جمال  

 

«مولانا» هي رواية المصري ابراهيم عيسى، الصادرة عن مركز قطر للنشر في طبعتها الخامسة، مع تعريف يفيد انها موجودة في اللائحة المختصرة لجائزة الرواية العربية (بوكر). تحمل هذه الرواية المؤلفة من 600 صفحة من القطع المتوسط الكثير من المعاني، والتجارب، والقضايا، وهي تفتح الكثير من النوافذ، وتثير البسمات وتنزع الضحكات، وتنكأ جراح كل مهتم بقضايا الوطن والمواطن العربيين.

المسرح الذي تدور على خشبته هذه الرواية هو مصر ما قبل ثورة 25 يناير، أي اللحظة التي سبقت الانفجار، وهي في ذلك تشرح الحالة المتردية والبائسة التي وصل إليها الشعب المصري والدولة المصرية في الفترة التي تولى السلطة فيها حسني مبارك وحاشيته، وإن كان الكاتب لم يذكر الأسماء فإنه رسم الصورة، بحيث لا يخطئها النظر، وخاصة حين تكلم عن دور ابن الريّس، الذي يحتل جزءاً رئيساً من الرواية.

أما البطل، فهو «مولانا»، الشيخ الداعية التلفزيوني حاتم المنشاوي، والذي ما ان تبدأ بقراءة الرواية حتى يجذبك ويقرِّبك منه بميزات رئيسة، ليس أقلها الصدق مع الذات ومع الآخرين، والنكتة الحاضرة دوماً لتختصر مواقف يصعب إخراجها بجدية، واتساع افق علاقاته وامتدادها من الشارع إلى بيوت المسؤولين، وعلاقته مع مختلف البيئات التي سوف نتحدث عنها لاحقاً.

ولكن الأهم معرفته العميقة بالدين والفقه الاسلاميين، وتصديه للعديد من المقولات والفتاوى، التي أربكت المجتمعات الاسلامية في الفترة الأخيرة، مع تقديمه أصولها وأوقات صدورها وتفسيرها على النحو الذي يراه مناسباً للمجتمع في الوقت الحالي، مع إصراره الدائم بأنه لا يمكن إطلاق صفة العلماء على المشايخ، الذين يلهبون الأرض بالأحكام والفتاوى، وهم بأحسن الأحوال دعاة متنافسون على محاولة قيادة المسرح، الذي يتأثر بأقوالهم وأفعالهم، التي كثيراً ما تضرّه ولا تنفعه.

على المسرح تتحرك مجموعة من الشخصيات، التي يشكل محورها «مولانا حاتم»، ويمكن تقسيم هذه المجموعات وتصنيفها إلى بيئات اجتماعية أو مهنية: هناك بيئة رجال الدين الاسلاميين، وهناك الكنيسة، وهناك بيئة رجال الاعلام والصحافة، وهناك بيئة رجال ونساء الفن، وهناك بيئة الفقراء، وهناك بيئة رجال الأعمال والمال، وهناك بيئة رجال السلطة ورجال الأمن، وهناك البيئة الأسرية، وأخيراً هناك بيئة رجال الحكم.

ترسم حركة مولانا المَشاهِدَ، وتربط بينها: فهو الداعية التلفزيوني (مفتي الشباب)، الذي جمع ثروة لا بأس بها من خلال عمله في التلفزيون، وهو الأزهري القريب من بعض مشايخه والمتنافر مع بعضهم الآخر، وهو الخصم اللدود للسلفيين وهو المنفتح والمتحاور مع رجال الكنيسة، وهو القريب من رجال الأعمال بدون تزلّف، وهو المطلوب من رجال الأمن من أجل تأدية بعض المهمات العامة، ومن رجال السلطة من أجل مآرب خاصة وعامة، وهو أخيراً قريب من بعض رجال ونساء الفن، لكنه يكتشف بعد كل ذلك أنه هو وغيره ليسوا سوى أدوات صغيرة في لعبة كبيرة، يقودها الجهاز الأمني الضخم الذي يحكم البلاد ويعيث فيها فساداً وظلماً.

رواية جميلة وقراءتها ممتعة، بسبب السرد الممتع لقصّة تكاد تكون بوليسية المنحى بسبب حبكتها وتعقيداتها، لكنها في العمق اجتماعية الأبعاد، تنير زوايا مجتمع معقَّد وصعب في لحظة غليان سبقت انفجار كبير، هذا بالإضافة إلى الأسلوب الممتع والشيِّق والمرح للكاتب ابراهيم عيسى.

أخيراً، نشير إلى ان مولانا الشيخ حاتم في أحد تعليقاته قال: «الرئيس الراحل أنور السادات كان شعاره «لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة»، اما أنا فشعاري هو «لا سياسة في السياسة ولا دين في الدين».، وفهمكم كفاية.

زر الذهاب إلى الأعلى