خاص التحري نيوز

خاص : من يُعطّل الاستحقاق الرئاسي في لبنان .. قراءة تكشف المستور؟ 

يدخل لبنان شهره السّابع، في مرحلة الشّغور الرئاسي. ورغم الحراك المكثّف على الخطّين الدّاخلي والإقليمي والدّولي لتحريك المياه الراكدة ومحاولة إنضاج هذا الاستحقاق، إلّا أنّ المراوحة والجمود تبقى الصّفة الطاغية على المشهد الرئاسي في ظلّ واقع دستوري يصعب تجاوزه وسط الاصطاف السّياسي التنافسي الحاد، وصعوبة توفير أي فريق نصاب ثلثي مجلس النّواب لإيصال مرشّحه الى قصر بعبدا.

هذا ما دفع بعضهم إلى تقاذف تهم التعطيل وإطالة أمد الفراغ. وهي تهمٌ طالت، بشقّها الأوسع، الثنائي الشّيعي، وتوسّعت في مرحلة لاحقة بعد تأييد الثنائي ترشيح النائب والوزير السّابق “سليمان فرنجيّة” رئيس “تيار المردة” متّهمة إياه- أي الثنائي- بالتمسك بــــ”فرنجيّة” وبمحاولة فرضه رئيسًا. في ما الطرف الآخر يقف حائرًا بين المرشّح “ميشال معوّض” الذي احترقت أوراق ترشيحه لعدم قدرته على جذب أصوات جديدة لصالحه، ووضع نفسه في خانة مرشّح التحدّي حينما حضر اجتماع “عرب خلدة”؛ بما تضمّنه من خطاب تحريضي، وبين البحث عن مرشّح آخر بوزن “فرنجيّة” لدعمه والسّير في ترشيحه.

إزاء ذلك؛ يبدو أنّ الاستحقاق الرئاسي يدور حاليًا بين مقاربات محليّة متعدّدة. أوّلها إيجابيّة ويمثلّها الثنائي (حزب الله وحركة أمل) معلنًا بوضوح عن مرشّحه، ومدَّ يده للطرف الآخر لملاقاته من خلال الحوار في منتصف الطريق. وثانيها؛ مقاربة سلبيّة تمثلها “القوات اللبنانية” وحلفاؤها، وهؤلاء يرفضون أي دعوة للحوار ولو كانت على مائدة بكركي، ويتمسّكون بمرشّح لا حظوظ له. فقد أثبتت إحدى عشرة جلسة انتخابيّة سابقة أنّ قدرات حلفائه التجييريّة كلّها لم تستطع أن تؤمّن له أكثر من 42 صوتًا في أحسن الحالات، ما جعلهم يفكّرون بالعدول عنه باتّجاه ترشيح أسماء أخرى، ويتمترسون خلف جدار اتّهام الثنائي بالتعطيل. يضاف إلى هذه الفئة “التيار الوطني الحرّ” الرافض لترشيح “فرنجيّة” جملة وتفصيلًا، والمرواغ بعدد من الأسماء الرئاسيّة من دون حسم نهائي لترشيح أحدها.

أمّا المقاربة الثالثة والأخيرة؛ فتبدو حياديّة وغير معنيّة بما يجري، ويمثّلها حاليًا “وليد جنبلاط” رئيس “الحزب التقدّمي الاشتراكي” الذي يبدو وكأنّه يقف على التلّ بانتظار مآل التطوّرات الإقليميّة والدوليّة، فيرفض ترشيح أحد للرئاسة أو دعم أي من مرشّحي الطرفين؛ بعدما كان سابقًا يدعم “ميشال معوّض” إلى جانب “القوات اللبنانيّة”.

وسط هذه المقاربات الداخليّة الثلاث للاستحقاق الرئاسي؛ تبرز التقاطعات الدوليّة، ومنها الموقف الفرنسي. فمن الواضح أنّه يميل إلى تأييد ترشيح “فرنجيّة”، ويعمل على تسييل ذلك من خلال تليين الموقف السّعودي تجاهه من جهة، وإزالة المطّبات والعقبات المسيحيّة من أمام وصوله إلى سدّة الرئاسة من جهة أخرى، ومنها الموقف السّعودي الذي بدأ يتجه رويدًا رويدًا – من خلال تقاربه مع ايران وسوريا- باتّجاه ترتيب علاقته مع حزب الله أيضًا، مع ما يحكى عن وساطات يقوم بها بعض الأطراف بين الجانبين، ما يجعل مسألة قبول السّعودية بـــ”فرنجيّة” رئيسًا مسألة وقت ليس أكثر.

أمّا الموقف الأميركي؛ فمعروف دومًا ببراغماتيته. فهو لا يطرح مرشّحًا محدّدًا، ولا يضع “فيتو” على “فرنجيّة”، فلو فعل لكان ترجم ذلك بالعقوبات عليه، كما فعل سابقًا مع “جبران باسيل”، لكنّه ينتظر كيف ستميل دفّة الميزان الرئاسي ليميل معها.

بناءً على ذلك؛ يتضح أنّ مسار تطوّرات الاستحقاق الرئاسي يسير باتّجاه المقاربة الإيجابيّة :

أولًا؛ منطق الأمور يؤكّد أنّ كلّ الدّول الخارجيّة مقتنعة بأنّها غير قادرة على أن تفرض خيارًا رئاسيًا على اللّبنانيين. ما يعني، بشكل معاكس، استبعاد المقاربة السلبيّة التي تكتفي برفض الاسم الذي يطرح الثنائي الشّيعي تأييده- أي “سليمان فرنجيّة- من دون تقديم اسم أو مرشّح بديل في المقابل.

ثانيًا؛ لعدم توفّر مرشّح رئاسي آخر سوى “فرنجيّة” يحمل رؤيةً وطنيّة، وقادر على التواصل مع جميع اللّبنانيين من دون استثناء، ومن دون أي عوائق. كما يستطيع مخاطبة الدّاخل والخارج وطمأنتهما، وينطلق من كتلة نيابيّة وازنة على المستوى الوطني ودعم خارجي موزون.

ثالثًا؛ استنادًا إلى التجارب الرئاسيّة السّابقة كلّها، ثبتَ بالدّليل على أنّ منطق الحوار هو السّائد وليس منطق الفرض الذي يدّعيه بعضهم، فاتفاق الدّوحة وانتخاب “ميشال سليمان”رئيسًا مثال شاهد، وكذلك انتخاب الرئيس “ميشال عون” في العام 2016، والذي سبقته اتفاقات وحوارات مع “معراب” و”قريطم” يومها، ما مكّن اللّبنانيين من تجاوز مرحلة شغور رئاسي تجاوزت السنتين.

في المحصّلة؛ إذا كان قطار التسويات الإقليميّة يسير بسرعة هائلة نحو لملمة جراح العقد الماضي، في اليمن وسوريا والعراق، واذا كانت المساعي الفرنسيّة واضحة بأي اتّجاه تسير- هذا الاتّجاه دفع بعضهم إلى التهجّم على فرنسا “الأم الحنون” واتهامها بالوقوف في صفّ الثنائي الشّيعي- فممّا لا شك فيه أنّ الرياح التسوويّة ستلفح لبنان أيضًا، ما سيعكس اختيار رئيس جديد للجمهوريّة يمتلك مواصفاتٍ وطنيّةً وموقعًا سياسيًا يؤهله أن يقود المرحلة القادمة الغنيّة بتشعباتها وملفاتها السياسيّة والاقتصاديّة الدّسمة المؤجلة، والتي تحتاج إلى حلول عميقة. وهذا ما لا يمكن بلوغه إلّا بالفعل ومدّ يد التلاقي، وليس الاكتفاء بردّ الفعل وقطع الأوصال، من دون تقديم البدائل الكفيلة باختراق جدار الأزمة الرئاسيّة.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »