كل شيء مؤجل … د . خالد جمال !!.

البارحة، وبينما كنت وزوجتي نستعد لمغادرة المنزل لإيصال ابني الى المطار، وردنا إيمايل من مكتب السفريات يشير الى ان الرحلة قد تأجلت، بسبب الظروف الطبيعية القاهرة التي مرت على دبي. وعلى عكس دولة الامارات التي فيها كل شيء معجل، فان في لبنان كل شيء مؤجل ودائماً بسبب ظروف قاهرة او مصيرية او حساسة، محلية او اقليمية او دولية.
واذا راجعنا تاريخ لبنان منذ نشأته الى اليوم، فاننا سنجد دائما ظروفاً قاهرة او مصيرية، ادت الى تأجيل ما لا يجب تأجيله، بل ان تأجيله قد يصبح بحد ذاته ظروفاً قاهرة جديدة. وهكذا ولد لبنان مع ظرف قاهر متلازم له الا وهو القضية الفلسطينية، او الصراع العربي الاسرائيلي، واختلاف اللبنانيين حوله، ثم ظهرت الصراعات البينية في الدول العربية، وآثارها على لبنان، ولحقها الخلاف على التموضع في الحرب الباردة العالمية، وتبعها الخلاف في الحروب الأهلية المستمرة، ثم أتت الحرب العراقية الايرانية وتلاها حروب الخليج الثانية والثالثة واخيراً أتت احداث الحادي عشر من سبتمبر وما رافقها، قبل ان نصل الى الثورات العربية وما ترتب عليها. وكلما اتفق اللبنانيون على شيء حتى اصبح مؤجلاً بفعل عوامل جديدة طارئة.
واذا نظرنا الى حالنا اليوم سنجد ان كل شيء مؤجل، بسبب ارتباطه باضطرابات داخلية او خارجية. وهكذا فان انتخاب رئيس للجمهورية مؤجل، مع ان انتخابه يمكن ان يساعد في ترتيب النظام الداخلي والتوجهات الخارجية. وهو مؤجل حتى تتفق القوى الاقليمية والدولية عليه. وكذلك فان الانتخابات البلدية مؤجلة ليس اقلها بسبب الاوضاع في الجنوب اللبناني الذي يتعرض لاعتداء اسرائيلي يومي، وبسبب النقص اللوجستي، والانقسام الطائفي. وموضوع استخراج النفط والغاز مؤجل الى ان يعود الامن والسكينة الى الحدود اللبنانية الاسرائيلية، والتي لن تعود الا بانتهاء حرب غزة، ( ما عدنا نعرف ما نقول) على كل، هناك ايضاً موضوع عودة النازحين او اللاجئين السوريين والذي لن يحدث قبل ان يستتب الوضع في سوريا، المقسمة والخاضعة لستة احتلالات. وهناك موضوع ضبط الحدود البحرية والبرية، من اجل منع التسرب البشري والبضائعي. وكذلك المؤجل المؤلم موضوع ودائع المودعين والذي يبدو مؤجلاً من غير عودة الى اليوم.
كل شيء مؤجل، من مواعيد تحديد جلسات القضاء، الى مواعيد الرواتب او المكافآت والتعويضات، الى النافعة وتسجيل السيارات، الى الوزارات وتسجيل العقود والبضائع والادوية الى الكهرباء والفواتير والضرائب.
المشكلة يا اعزائي ان العمر قصير، والموت لا يقبل التأجيل.