متفرقات

واشنطن تستعجل ولبنان يرفض .

 

الوضع في منطقة الحدود الجنوبية في سباق مع التصعيد الذي شهد ارتفاعاً في وتيرته في الايام الأخيرة، ومحاولات تبريده التي تقودها الولايات المتحدة الاميركية، بالتزامن مع الجهود المكثفة لبلوغ هدنة لستة اسابيع في قطاع غزة.

وإذا كان بلوغ الهدنة في غزة قد تأخّر ربطاً بالسقف العالي للمطالب والشروط الذي ترفعه إسرائيل وحركة «حماس»، إلاّ انّ واشنطن التي وضعت ثقلها في هذا السبيل، واثقة من بلوغ هذه الهدنة في نهاية المطاف، إن لم يكن قبل شهر رمضان ففي بداياته، على أن تشمل هذه الهدنة جبهة الجنوب في لبنان، وهو ما اكّد عليه الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين داخل الغرف المغلقة، خلال زيارته الأخيرة الى بيروت مطلع الاسبوع الجاري.

جبهة الجنوب مقلقة: الواضح حتى الآن، أنّ هدنة غزة تصطدم بتعقيدات، وكذلك الحل السياسي المرتبط بجبهة الجنوب، حيث يؤكّد المتابعون للحركة الديبلوماسية لـ«الجمهورية»، أنّ هذا المسار صعب وطويل، ونضوج هذا الحل يتطلّب وقتاً طويلاً وجهداً خارقاً، وخصوصاً انّ مندرجاته، وكما يطرحها الاميركيون، لا تلقى قبولاً من كل الاطراف، وخصوصاً من جانب لبنان، الذي لا يقبل تسويات منقوصة او أي صيغة حل تناقض مصلحته وتمسّ سيادته».

وعلى ما يقول مواكبون لحركة الديبلوماسية الاميركية لـ«الجمهورية»، فإنّ اولوية واشنطن هي أن تفصل ما بين جبهة غزة وجبهة الجنوب اللبناني، ألّا أنّها في مقارباتها لهاتين الجبهتين، تنطلق من كونهما جبهتين مترابطتين، فإسرائيل تهدّد باستمرار المواجهة مع «حزب الله» حتى ولو تمّ التوصل الى هدنة في غزة، وفي المقابل يؤكّد الحزب استمراره في التصعيد ضدّ اسرائيل حتى وقف العدوان الاسرائيلي على غزة.

امام هذا الوضع الساخن، وكما يؤكّد هؤلاء المواكبون، تصبّ واشنطن جهدها لتبريد الجبهتين في آن معاً. فجبهة غزة، التي تدخل الحرب فيها اليوم شهرها السادس، وإن كانت قد وفّرت لاسرائيل كلّ ما يلزمها من دعم عسكري وسياسي وحشد دولي لإلحاق الهزيمة القاتلة بحركة «حماس»، اصبحت عبئاً عليها، ومن هنا باتت تدفع بقوة الى هدنة الستة اسابيع. وفي المقابل، باتت جبهة لبنان تشكّل بالنسبة اليها مصدر قلق كبير من أن تشعل فتيل حرب واسعة، فهي حتى الآن استطاعت ان تُلزم اسرائيل بتغليب الحل السياسي على الحل العسكري الذي تهدّد به، وفي الوقت نفسه تنتظر مبادرات عاجلة من الجانب اللبناني لكبح جماح «حزب الله»، بما يعطي فرصة جدّية للحل السياسي».

وكشفت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية»، أنّ واشنطن وجّهت بصورة مباشرة وغير مباشرة، تحذيرات واضحة الى كل الاطراف، تفيد بأنّ استمرار التوتر والتصعيد على الجبهة الجنوبية، قد يشيع تفاقمه مناخات حربيّة خطيرة، وصرّحت علناً بأنّ أيّ خطأ في التقدير من شأنه أن يُسقط المنطقة بأسرها في حرب واسعة غير قابلة للاحتواء، قد تترتب عليها تداعيات دراماتيكية وعواقب وخيمة على كل الاطراف، وربما تحوّلات صعبة، غير محسوبة تهدّد خريطة المنطقة ومصالح كلّ الدول».

هوكشتاين سيعود: ضمن هذه الأجواء، اعطت واشنطن زخماً اضافياً لوساطتها على الجانب اللبناني، وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ هذه الوساطة لا تنشد خفض التصعيد، بل وقف التصعيد ووقف العمليات العسكرية بصورة نهائية من الجانبين اللبناني والاسرائيلي، ومشروع الحل الذي حمله آموس هوكشتاين يلاقي ما تؤكّد عليه كل الاطراف لناحية عدم رغبتها بالانجرار الى حرب، وفي جوهره ينص على أنّ ما يسري في غزة (لجهة الهدنة التي يُعمل لبلوغها)، ترى واشنطن ضرورة كبرى في أن يسري على جبهة لبنان، وفق معادلة جديدة تطمئن جميع الاطراف، وتؤسّس بالتالي لوضع طويل الأمد من الهدوء والاستقرار على جانبي الحدود، يمكّن السكان على جانبي الحدود من العودة إلى بيوتهم بسلام وأمان على حدّ تعبير هوكشتاين».

وتؤكّد مصادر المعلومات «أنّ هوكشتاين الذي حطّ لساعات في بيروت الاثنين الماضي، سيعود إليها في وقت لاحق. ولكنْ لا موعد محدداً حتى الآن. وذلك لتلقّي ردّ الجانب اللبناني على مشروع الحلّ الذي عرضه. علماً أنّ بنود هذه التسوية، لم تكن جميعها محل تفاهم حولها مع من التقاهم من مسؤولين».

تسوية قاصرة: وفضّل مصدر سياسي مطلع على النقاشات مع هوكشتاين، عدم الغوص في تفاصيل ما جرى بحثه، او الكشف عن مضمون ورقة التسوية التي قدّمها الوسيط الاميركي، وابلغ إلى «الجمهورية» قوله: «أي حديث عن تفاؤل سابق لأوانه، ولا نقول ايضاً اننا متشائمون، ولكن ما يمكن قوله هو أنّ ورقة التسوية المطروحة قاصرة، ولا نستطيع أن نقول بأنّه في الإمكان أنْ يبنى عليه لبلوغ الحل الذي نتوخاه، وسيتمّ الردّ عليها بصورة رسمية في وقت ليس بعيداً».

ورداً على سؤال، قال المصدر عينه: «اننا ندرك تماماً أنّ التسوية بالشكل الذي يطرحه هوكشتاين تلبّي في جوهرها ما تطالب به اسرائيل، ولا تستجيب بشكل كامل لما يطالب به لبنان. فالعلامة الايجابية فيها، والتي هي الوحيدة التي استخلصناها، هي ما يتصل بحسم النقاط الخلافية على الخط الازرق، فيما تؤجّل البت بمصير مزارع وتلال كفر شوبا والجزء الشمالي من بلدة الغجر الى مرحلة لاحقة. وتشدّد ايضاً على تطبيق القرار 1701 من الجانب اللبناني حصراً، بما يعني خلو منطقة عمله من المسلحين والمظاهر المسلحة غير الجيش اللبناني وقوات «اليونيفيل»، دون أن تلحظ أيّ إجراءات في الجانب الاسرائيلي او ضمانات بعدم استمرار اسرائيل بخرقها لهذا القرار ووقف اعتداءاتها على لبنان».

الردّ اللبناني: وإذ اكّد المصدر عينه انّه «لا يمكن السير بتسوية منقوصة، او تسوية تراعي المصلحة الاسرائيلية، وتخلق واقعاً مطمئناً لها على حساب لبنان»، لفت إلى انّ الردّ اللبناني على ورقة هوكشتاين، سيتضّمن التأكيد على الثوابت اللبنانية التي سبق وعبّرت عنها كل المستويات السياسية، وخلاصتها: اولاً، عودة المهجّرين اللبنانيين الى بلداتهم في الجنوب. ثانياً، الالتزام الكامل بالقرار 1701 ونشر الجيش في منطقة عمله وتوفير الدعم الكامل له للقيام بهذه المهمّة الى جانب قوات «اليونيفيل». ثالثاً، انّ لبنان لا يريد الحرب، ولا يسعى اليها. وحقه مشروع في الدفاع عن ارضه ومقاومة اي عدوان عليه من قِبل اسرائيل. رابعاً، إلزام اسرائيل بتطبيق القرار 1701 ومنعها من خرقه وردعها عن القيام بأي عدوان على لبنان. خامساً، إلزام اسرائيل بالانسحاب الكامل من الاراضي اللبنانية التي تحتلها بدءاً من نقطة الـ«b1» والنقاط الخلافية الـ«13» على الخط الازرق (حسمت منها خمس او ست نقاط) وصولاً الى الجزء الشمالي من بلدة الغجر وتلال كفر شوبا ومزارع شبعا».

«حزب الله» أخذ علماً: الى ذلك، وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ «حزب الله» اخذ علماً، بصورة غير رسمية بمشروع هوكشتاين، ولم يبدر عنه اي موقف لا سلباً ولا ايجاباً حيالها، انسجاماً مع موقفه الذي سبق واعلنه لناحية عدم الاستعداد للبحث في اي آلية حل او تسوية او ترتيبات في منطقة عمل القرار 1701 قبل وقف العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة.

وقالت مصادر قريبة من «حزب الله» رداً على سؤال لـ«الجمهورية» قولها: «طالما انّ العدوان مستمر على غزة، فلا بحث في تسويات».

ورداً على سؤال آخر، قالت المصادر عينها: «الاسرائيلي يريد أن يحقّق في السياسة ما لا يستطيع أن يحقّقه حتى في الحرب. وإن كان الاسرائيلي يعتقد انّه يستطيع أن يحصل على جوائز ترضية او جوائز مجانية او اي مكتسبات مهما كان شكلها، فهو واهم».

التسوية بعين إسرائيلية: الى ذلك، كان لافتاً بالأمس ما اوردته صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية حول مقترح اميركي لوقف إطلاق النار بين اسرائيل و«حزب الله»، مرتبط بشكل أساسي بالاتفاق في قطاع غزة.

واشارت الصحيفة، الى انّ هذا المقترح أعدّه هوكشتاين وسيتمّ طرحه في حال تمّ التوصل إلى اتفاق يقضي بوقف القتال في قطاع غزة». وقالت: «إذا ما حدثت معجزة، وتمّ التوصل إلى اتفاق في غزة، ستبدأ الإدارة الأميركية العمل الإضافي في لبنان، وتقدّم مقترحاً يدعو إلى انسحاب «وحدة الرضوان» الخاصة التابعة لـ»حزب الله» خارج نطاق الصواريخ المضادة للدبابات، وليس انسحاب جميع أفراد «حزب الله» من الجنوب اللبناني». مشيرةً الى أنّ الكثير منهم يعيش في القرى الحدودية، وسيتمّ منعهم من التحرّك حاملين الأسلحة، لكن تواجدهم في المنطقة لن يتمّ حظره بالكامل». كما يتضمن المقترح تعزيز انتشار الجيش اللبناني وتعزيز قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان «اليونيفيل».

وبحسب الصحيفة، فإنّ الاميركيين يأملون أن يكون المقترح كافياً لإقناع المستوطنين في العودة للمستوطنات القريبة من حدود لبنان، ويعتبرونه الأفضل المطروح على الطاولة بالنظر إلى البدائل الأخرى.

وإذ اشارت الصحيفة الى أنّ «المدى الفعّال لصواريخ «حزب الله» المضادة للدبابات، يجعل من الصعب على الجيش الإسرائيلي حماية الحدود من داخل الأراضي الإسرائيلية»، قالت: «انّ الاميركيين يدركون جيداً أنّ هناك في إسرائيل و«حزب الله» من يدعو إلى الحرب، معتقدين أنّهم قادرون على تحويلها إلى مكسب استراتيجي، ولهذا السبب حذّر الرئيس الاميركي جو بايدن مراراً من حرب محتملة، لا يمكن أن تؤدي في نظر الأميركيين إلّا إلى الدمار والقتل، وليس بالضرورة أن تنتهي لمصلحة إسرائيل».

المصدر: الجمهورية

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »